![]() |
| صورة تعبر عن محبة الله للإنسان |
القلب أكثر استعدادًا للتلامس مع عناية الله وحبه العظيم نحونا خلال صوته الداخلي من تلمسه خلال أعمال الله الخارجية. فهو ليس فقط يعتني بنا، لكنه يحبنا بلا حدود، حبًا مقدسًا ملتهبًا، حبًا شديدًا حقيقيًا لا ينفصم ولا ينطفئ. ولكي يكشف لنا الكتاب المقدس عن هذا الحب قارنه بحب الناس، موضحًا حب الله الساهر وعنايته بنا بأمثلة كثيرة، لا لنقف عند حدود الأمثلة، وإنما يدفعنا أن نتعداها أثناء تأملنا لها...
1. مقارنته بحب الأم
يجاوب النبي الذين اكتأبوا مرة وأنوا قائلين: "قد تركني الرب وسيدي نسيني" قائلاً[14]: "هل تنسى الأم رضيعها، فلا ترحم ابن بطنها؟". كأنه يقول: يستحيل على الأم أن تنسى رضيعها فبالأولى لا ينسى الرب البشرية. وهو بهذا لا يقصد تشبيه حب الله لنا بحب الأم لثمرة بطنها، وإنما لأن حب الأم يفوق كل حب، غير أن حب الله حتمًا أعظم منه. لهذا يقول: "ولو نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساك يقول الرب". تأمل كيف تفوق محبة الله محبة الأم؟...
يؤكد رب الأنبياء وسيد الجميع أن حبه يفوق محبة الأب لأولاده كما يفوق النور الظلمة والخير الشر. أنصت ماذا يقول؟ "أم أي إنسان منكم إذا سأله ابنه سمكة يعطيه حية؟! فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري أبوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسألونه؟!" (مت 7: 9-11)
كاختلاف الخير عن الشر هكذا تعلو محبة الله عن عواطف الوالدين...
2. الحب بين محبوبين
توجد أمثلة أخري كحب الحبيب لمحبوبته، لا أن حب الله لنا يعادل هذا الحب، وإنما هو مثال من قبيل التشبيه مع الفارق... لهذا يقول داود: "لأن مثل ارتفاع السماوات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه" (مز 103: 11).
كما أن الإنسان في حبه يراجع كلماته بجنون خشية أن يكون قد نطق بشيء يجرح محبوبته، هكذا يقول الرب: "ما أن تكلمت حتى ندمت على كلامي... رجع قلبي" (هو 11: 8). فلا يستنكنف الرب من إستخدام هذه الصورة القاسية لإعلان حبه لمحبوبته.
3. الحب الزوجي
لم يكتفِ بهذا، لكنه تعمق بالأكثر ذاكرًا مثالاً يخترق أعمق الأمور قائلاً[15]: "كفرح العريس بالعروس، هكذا يفرح بك الرب". فالحب يكون في أوجه عند البداية (بين العروسين). وقد استخدم هذا الأسلوب لا ليحمل شيئًا بشريًا إنما لكي نلمس شدة التهاب محبته الحقيقية...
4. حب الصانع لعمل يديه
لا تقف المقارنات الخاصة بحبه عند هذا الحد، لكنه يذهب إلى أبعد من هذا...
لقد تضايق يونان بعد هروبه ومصالحة شعب نينوى مع الله... متألمًا منفعلاً بطريقة بشرية مملوءة حزنًا. فأمر الله الأرض أن تنبت يقطينه ليونان تحمى رأسه، ثم أمر الشمس أن تزيد من حرارتها فتحرقها. فغضب يونان لهلاكها، لكن إذ عزاه الرب ثم جربه اسمع ماذا يقول له: "أنت تشفق على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها، التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من أثنى عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم؟!" (يونان 4: 10-12) هذا ما أراد أن يقوله: ألم تفرح بظل اليقطينة، فكم بالحري ينبغي أن أفرح بخلاص أهل نينوى؟! ألم تتألم بهلاكها؟! هكذا يؤلمني هلاك البشرية...
لم يقل له "أنت شفقت على اليقطينة" وتوقف.. بل أكمل "التي لم تتعب فيها ولا ربيتها". لأنه كما يشفق البستاني على الشجرة التي تعب فيها أكثر من غيره، هكذا أراد الله ان يثبت محبته للبشر خلال هذه المحبة. كأنه يقول له: أنت تدافع بقوة عن عمل غيرك الذي لم تتعب فيه بالحري يليق بي الدفاع عن عمل يدي! ثم يخفف من حدة الاتهام الموجه ضدهم بقوله: "لا يعرفون يمينهم من شمالهم"، أي أخطأوا بغير معرفة...
ويعاتب الذين يئنون بأنهم متروكون قائلاً "من جهة بني ومن جهة عمل يدأي أوصوني!" (إش 45: 11) وكأنه يقول: من يُذَّكر الأب بابنه أو يحثه ليفكر فيه؟ أو من يُذَّكر الفنان ألا يتلف فنه؟!
وهو لا يقول هذا ليمنعهم عن الصلاة وإنما لكي يعرفوا أنهم قبل أن يصلوا يعمل الرب ما يحسن في عينيه. لكنه يريدنا أن نصلي لأن في الصلاة نفع عظيم...
لقد رأيت الأمثلة السابقة كيف أن أعمال عناية الله أسطع من الشمس إذ ذكر مثل الأب والأم والعريس والبعد بين السماء والأرض... وشبه نفسه بالبستاني الذي يتعب من أجل عمل يديه... وبالحبيب الذي يحزن لئلا يحزن محبوبته ولو بكلمة... مؤكدًا لنا أن محبته مختلفة عن كل هذه أنواع الحب كإختلاف الخير والشر.
ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(14) إهتم آباء الكنيسة الأولي بإبراز صلاح الخليقة المادية ردًا على البدع الكثيرة التى نادت بإن المادة شر، خالقها الشيطان.
(15) تك 1: 3.

