الهدف من الحياة الروحية
أو
الهدف من الصوم أو الصلاة أو الخدمة و كل عمل روحي نقوم به ، كيف يصل الإنسان إلى
الملكوت ،
و تحقيق هذا الهدف لا شك هو موضوع الحياة كلها . و موضوع الوصول إلى
الملكوت ليس هدفاً في حد ذاته ، و لكن لأن الله موجود في هذا الملكوت ، و تمتعنا
بالملكوت هو تمتع بالله الموجود في الملكوت و ليس لاهداف مادية و لكن الهدف روحى :
التمتع بربنا و لأجل هذا أن يحيا الإنسان على الأرض و له نفس الهدف . جميل أن
نتعلم أن نقول في صلواتنا : يا رب أنا عايزك و مش عايز غيرك ، لا تحرمنى منك ،
منين ما عاوز تودينى ودينى ، فى الرهبنة فى الزواج المهم لا تحرمنى منك . صلوة
رائعة تظهر أن الإنسان هدفه المسيح و ليس له هدف آخر ، ليس فقط فى الأبدية لكن
أيضا في هذه الحياة ، لهذا جميل أن أطلب المسيح و ليس سواه ، و هذا هو هدف الملكوت
أن أطلب المسيح فقط ، لكن كيف أعيش هذا الهدف و أنا مازلت على الأرض ؟ الأمثلة
كثيرة .
1-الصلاة
:
ليست
مجرد سرد كلام أو الهدف منها مجرد التأدية بسرعة بدون حرارة بدون تركيز بدون فهم
المهم انى بأصلى و خلاص ، هل هذه الصلاة ممكن أن يكون هدفها المسيح : مستحيل ! كيف
أقف و أنا سرحان و غير مركز و غير منتبه لا أعطي الصلاة وقارها .
فكيف تكون
الصلاة هدفها المسيح ؟
+
أن تكون الصلاة بفهم : كما قال بولس الرسول أن خمس كلمات بذهن أو بفهم أفضل من
آلاف الكلمات بلسان بدون فهم ، لكن اذا وفقنا بين طول الصلاة و عمقها فهذا الكمال
في الصلاة ، لكن على الأقل في البداية أهتم بكلمات قليلة لكن عميقة بفهم ، أكون
شاعر بما أقول ، بعض الناس تقول لماذا نصلي بالأجبية لماذا أردد كلام غيري : هذه
مشكلتك أنت انك لا تشعر ، فما كتبه داود النبي نن واقع حياة معينة لازم أنت أيضاً
تشعر به ، فمثلاً عندما تألم داود من مطاردة شاول أنت أيضا تتالم و أنت مطارد من الشيطان
.
+تكون
الصلاة بحرارة و مشاعر : فلا بد أن تحرك مشاعرك من خلال تحريك جسدك ، الانسان ليس
مجرد روح لكن هناك جسد و هذا الجسد لازم أن يشترك ، فاشتراك الجسد يعني إشتراك
المشاعر ، فعندما تسمع كلمة عن التوبة و تقرع صدرك ستتحرك مشاعرك ، لما ترفع يدك
لترشم الصليب أو تنحني أو تسجد فكل تحريك في جسدك هو تحريك لمشاعرك في الصلاة ،
إذاً لا بد أن تكون هناك مشاعر و أحاسيس و ليست صلاة جافة روتينية ، تحرك مشاعرك و
جسدك ليكون الهدف هو المسيح فتتكلم مع المسيح و تعطيه وقارة و احترامه و تحاول أن
تفهم أن ما تقوله و تتكلم به مع المسيح من واقع حياتك ،من خلال حرارة و مشاعر و
أحاسيس حتى لو كانت مكتوبة في كتاب .
+الاستمرار
في الصلاة مع رجاء و أمل في الوصول للصلاة : أحياناً ييأس الناس من كثرة الصلاة مع
السرحان المستمر و عدم التركيز فيقرروا وقف الصلاة ، و لكن هناك حكمة لطيفة تقول :
( الاستقرار يأتي مع الاستمرار ) ، فلا بد أن تستمر في الصلاة و أن يكون عندك رجاء
انك ستصل لعمق الصلاة في يوم من الأيام ، فالموضوع محتاج إلى جهاد و طول بال لأصل
إلى عمق الصلاة دون يأس . فكما قلنا ان الهدف من الحياة الوصول للملكوت للحياة مع
المسيح ، كيف أعيش هذا الهدف في حياتي : من خلال الصلاة .
2-الصوم
:
فكيف
يكون المسيح هو هدف الصوم ، فالصوم ليس مجرد تغيير أطعمة :
+(إذا
صمت اغسل وجهك و ادهن شعر رأسك لكى لا تبدو للناس صائماً فأبوك الذى يرى في الخفاء
يجازيك علانية ) ، و الخفاء داخل الصوم و ليس في شكل الصوم ، عمق الصوم هذا هو
الخفاء ، ما تفعله داخل الصوم هذا هو الخفاء : التداريب التي تقوم بها و التي
تختلف من شخص لآخر ، فالعمق الموجود في داخل الصوم هذا هو عنصر الخفاء في الصوم .
فلا يوجد صوم هدفه المسيح و يمر دون تداريب أو دون هدف ، فلو وضعنا لكل صوم هدف
صغير أو تدريب و نحن نصوم مثلاً خمس أصوام في السنة فبعد 10 أو 15 سنة نصير قديسين
.
+و
الصوم هدفه كيف يتحكم الانسان في جسدة حتى تتمتع روحه بالمسيح و تشبع من الروحيات
فآخذ أجازة من جسدى ، فأنا طول السنة أعطية احتياجاته لكن في الصوم أوفر احتياجات
روحي و أبدأ أركز في تشبيع روحي ، لكن ما الفائدة عندما تجوع جسدك و لا تشبع روحك
؟ فهو ليس نظام غذائي أو رجيم ، فالصوم الذي ليس له تدريب روحي هذا صوم جسد و حاجة
جسدية لإنقاص الوزن لكن ليس هدف روحي فالصوم أساساً عمل روحي و إن كان له جانب
جسدي ، حاول أن تتدرب على حاجة تنقصك : سواء في الفضيلة أو في إبطال خطية معينة ،
نقطة واحدة تتدرب عليها ، و استخدم الصوم لتحقيق هدف معين : الاقتراب خطوة لربنا
فلو قربنا خطوة في كل صوم لا شك بعد فترة سنحصل على بركة كبيرة جداً .
في
الصوم الكبير مثلاً : وضعت لنا الكنيسة نظام جميل : الأحد الأول في الصوم (
الملكوت ) فمن البداية إحنا صايمين لندخل الملكوت أو لنقرب خطوة نحو الملكوت نحو
المسيح ، الأحد الثاني ( التجربة ) كيف ندخل الملكوت ؟ بالتجربة ثم الغلبة و
النصرة فلن تدخل الملكوت دون أن تمر بتجربة و لن تستفيد منها إلا لو خرجت منها
غالب منتصر ، فماذا لو هزمت : يوجد ثلاث درجات للأمل : ( الابن الضال ) الذي وقع
في الخطية لكن رجع وحدة ، فإذا لم أستطع الرجوع ، ( المرأة السامرية ) التي وقعت
في الخطية ثم التقت مع المسيح في الطريق ، فإذا لم أستطع الرجوع و لم أتقابل مع
أحد ، ( المخلع ) الذي قضى 38 سنة في الخطية و احتاج أن يذهب المسيح عنده ، فلا
تفقد الأمل فهو أيضاً سيبحث عنك ، بعدها صورة الإنسان الخاطى الذي تاب ( إني أعرف
شيئاً واحداً أنى كنت أعمى و الآن أبصر ) كنت في البداية منفصل عن ربنا عن النور و
التوبة تعطي بصيرة للإنسان مثل شاول الطرسوسي الذي اقتادوه حتى حنانيا ليرى ، و لا يكفي أن تتوب و إنما يجب أن يملك المسيح
على حياتك كلها ( كما دخل المسيح أورشليم ملكاً ) و من الجائز أن تمر عليك ألام و
قد يصل بك الحال أن تموت مع المسيح و لكنك ستسعد في النهاية و تقوم معه و تصعد معه
و تجلس معه في السماويات ، فمن خلال الطقس تعطينا الكنيسة هدف روحي في قمة الروعة.
3-
الكتاب المقدس :
كيف
يكون المسيح هدفي و أنا أقرأ في الكتاب المقدس ؟ فقراءة الكتاب المقدس ممكن أن
يكون لها أهداف كثيرة : قد يكون الهدف معرفة أو استنتاج لأحداث ، أو قد يكون الهدف
أن اعرف كيف أجادل أو أناقش مع غيري ، و قد يكون الهدف أن اعلم أو أشرح لغيري ،
هذا جميل و لكن الهدف الحقيقي في قراءتي للكتاب هو أن استمتع بالمسيح شخصياً ،
فالمسيح بين ضفتي الكتاب من أول أول أية ( في البدء خلق الله السموات و الارض )
لأخر أية ( آمين تعالى أيها الرب يسوع ) ، فالهدف هو أن أشبع بالمسيح من خلال هذه
القراءة من خلال التمتع بالكلام الموجود في الكتاب المقدس ، فالكتاب المقدس هو
أنفاس الله ، كلمة الله المرسلة لنا ، لازم نشعر أن هذا الكتاب هو كلمة الله لنا ،
العمق و المعرفة المفروض أن تصل إليها في ربنا من خلال هذا الكتاب ، كلما تقرأه
أكثر كلما تدخل في العمق في العلاقة مع ربنا و تعرفه أكثر و تتضح صورة ربنا أكثر
في نظرك و ذهنك و مشاعرك ، و بدون قراءة الكتاب المقدس لا يمكن أبداً أن تعرف ربنا
أو تتضح الصورة أمامك و صفاته و طباعه و معاملاته ، لأجل هذا كلما تقرأ أكثر كلما
ثبتت الصورة و اتضحت معالمها بشكل أفضل .
+
حتى لو لم تفهم لازم تقرأ ، و مع الوقت و مع القراءة و مع الصلاة و مع التفاسير
ستستطيع أن تفهم كلام الكتاب المقدس . فهناك قصة لراهب ذهب لأب اعترافه و طلب منه
حل لعدم قراءة الكتاب المقدس ، فسأله كيف هذا ؟ فأجاب الراهب أنه يقرأ و لا يفهم
فماذا يفعل ظ و كان عند الراهب الشيخ سلتين عليهما تراب ، فطلب منه إحضار إحداهما
، ففعل ، و طاب منه أن يملأها بالماء ، ففعل متعجباً ، فكان الماء يمر من فتحات
السبت و لا يستقر فيه ، فسأله له الراهب الشيخ عن الفرق بين السبتين فأجاب الراهب
: التي حاولت ملأها بالماء ذهب عنها التراب : قصة من بستان الرهبان ) و كما يقول
المسيح ( انتم أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به ) فحتى لو كلام ربنا لم يثبت في
ذهننا سينقي هذا الذهن ، حتى لو لم تفهم مرة على مرة ستبدأ تفهم و أطلب استنارة من
ربنا لكي يفتح ذهنك و تفهم كما فتح ذهن التلاميذ ، و القراءة في كتب التفاسير و
السؤال عن الذي لا تعرفه و كلما تقرأ ستكتشف أشياء جديدة ، فالكتاب المقدس هو
الكتاب الوحيد الذي ليس له نهاية في الفهم كما قال داود النبي ( لكل تمام أو كمال
رأيت منتهى أما وصاياك فواسعة جداً ) .
4-
الخدمة :
كيف
يكون المسيح هدفنا في الخدمة ؟ فالخدمة أيضاً ممكن أن يكون لها أهداف كثيرة جداً ،
قد يكون الهدف منها نشاط اجتماعي ، أو لقتل وقت الفراغ ، أو ليعطيني المسيح النجاح
في حياتي ، أو للظهور و الشهرة ، أو ليحصل الشخص على مركز أو وظيفة معينة في
الكنيسة ، و قد يكون هناك أهداف أخرى لكن
كل هذا ليس له علاقة بالخدمة الحقيقية الروحية التي هدفها المسيح ، فهدف
الخادم الأسمى كيف يصل هو و مخدوميه إلى المسيح ( هاأنذا و الأولاد الذين أعطينهم
الرب ) و من أجمل الصور التي تظهر الخدمة أن نتخيل الخدمة سلم ، يصعد عليه الخادم
نحو الملكوت يربط السماء بالأرض ماسك أيدي أولاده و هم طالعين ورائه حتى يصلوا
للمسيح في السماء ، فهو لا يقف أعلى السلم يوعظهم بكلمات أعلى منهم ، أو أسفل
السلم يحثهم على الصعود ، و لكنه يصعد معهم سابقهم باستمرار ، هو ينمو و هم ينمو
أيضاً و هو مثلهم الأعلى دائماً أمامهم ، لذلك الذين يقولون أن نموهم الروحي قل مع
الخدمة معنى هذا أن الخدمة غير صحيحة و أن هناك جانب غطى على جانب أخر .
+
يكون الخادم في كل عمل يقوم به هدفه الأساسي الذي أمام عينه دائماً هو المسيح ،
عندما يتكلم فلمجد المسيح و ليس لمجد ذاته ، عندما يفتقد فليأتي بأولاده للمسيح و ليس
لتكوين صداقات ، فعند كلامنا مع الآخرين يكون أمامنا كيف نربط الآخرين بالمسيح ،
كيف نربطهم بأب اعتراف ، بالتوبة ، بالمذبح ، فلا يكون الكلام مجرد كلام جميل رنان
براق ، فإذا لم أرتبط أنا و أولادي بالمذبح لا أكون خادم الاثوذوكسي ، متكلم أو
خطيب و ليس خادم ، فخدمتي تتميز بالمذبح ، فإذا لم أرتبط أنا و أولادي بالمذبح
تكون خدمتي غير مثمرة ، و التعب في التحضير و الصلاة من أجل الأولاد و البحث عن
الواحد المفقود و التعب مع الأولاد المشاغبين هذا هو ثمر الخدمة إذا أردت أن أكون
أمين في خدمتي و هدفي هو المسيح .
+
لا بد أن يكون هدفنا واضح على الأرض ، و في كل عمل روحي نقوم به .

