أغصان الشر



يجب معرفة أغصان الشر والتحقق منها :
    الحديث عن أغصان الشر أمر ضروري لكي يعرف الإنسان ما
هي الأوجاع ؛ وما الذي يفصله عن اللـه ؛ فيسأل من صلاحه من أجل كل واحد منها لكي يدرك الإنسان بمعونته تعالى ويهبه القوة حتى يصير قادراً أن يتخلص منها .
    فهذه هي جروحات النفس بالحقيقة ؛ وهي التي تفصلها عن اللـه ؛ وطوبى لمن يتعرى منها لأنه يصير غنمة روحية مقبولة على مذبح اللـه ؛ ويسمع الصوت المملوء فرحاً ؛ صوت الرب القائل :
    " نعماً أيها العبد الصالح والأمين ؛ كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير ؛ أدخل إلى فرح سيدك " .
   أما الذين يريدون تكميل مشيئتهم الجسدية وقد رفضوا أن يداووا نفوسهم بدواء التوبة المقدس لكي يصيروا أطهاراً ؛ فهؤلاء يُوجدون ساعة الضيقة عراه ليس عليهم ثوب الفضائل ؛ فيطرحون في الظلمة الخارجية الموضع الذي يجدون فيه الشيطان لابساً حلة الأوجاع التي هي : الزنا ؛ الشهوة ؛ محبة الفضة ؛ الحسد ؛ المجد الباطل ؛ العظمة .
   فتلك هي الأغصان وغيرها كثير يشبهها .
    ما هو الزنا ؟ هو عدم ضبط ؛ وعدم الضبط هو محبة زينة الجسد ؛ الطياشة ؛ الكسل ؛ كلام الضحك ؛ والنظر غير المتعفف .
    وما هي محبة الفضة ؟ هي ألا تصدق مواعيد اللـه ؛ وتحب الراحة ؛ وتطلب مجد العالم ؛ ولا تحب الإحسان ؛ بل تحب المجد الباطل ؛ ولا تبالي بالآخرين ؛ تفقد الضمير ولا تلاحظ دينونة اللـه .
    وما هي النميمة ؟ هي الجهل بمجد اللـه ؛ الحسد للقريب لكونَهم لم يبالوا بك ؛ الوشاية ؛ الغيرة ؛ محاباة الناس ؛ شهادة الزور .
    وما هو الغضب ؟ هو أن تريد أن تقيم هواك ؛ الشقاق ؛ العلم الباطل؛ شهوة تعليم الآخرين ؛ محبة أمور العالم ؛ الجبن ؛ الملل ؛ نفاذ الصبر ؛ محبة الأخذ والعطاء .
    وما هو الحسد ؟ هو الحقد على القريب؛ رفض ملامة النفس ؛ الكسل؛ عدم اعتبار كرامة القريب أنَها من اللـه ؛ محبة الأطعمة ؛ وشهوة الخلطة بأمور العالم .
    وما هو المجد الباطل ؟ هو محبة هذه الحياة الفانية ؛ أن تعمل النسك بِهدف أن يشتهر اسمك ؛ محبة مجد الناس أكثر من مجد اللـه ؛ الجهل بما يؤلم قلبك ؛ أن تظهر أعمالك للناس لتنال منهم المجد غير مراع مجد اللـه؛ تكميل أهواء الجسد في قلبك .
    وما هي العظمة ؟ هي أن تعثر إذا لم تكرَّم ؛ عدم التنازل للقريب ؛ الافتخار بأنك لست محتاجاً لأحد ؛ الاتكال على قوتك ؛ الرغبة في أن تصنع لنفسك اسماً بين الناس .
تشبيهات كتابية لأغصان الشر :
    كل هذه يعملها الخبيث في النفس البائسة لكي يفصلها عن اللـه (هذه هي الأحمال الثقيلة التي حملها آدم لما أكل من الشجرة ) ؛ هذه هي التي عنها قيل : " هو أخذ أسقامنا وحمل أوجاعنا " .
    هذه هي الأمراض التي حلت على آدم والتي أماتَها ربنا يسوع المسيح على الصليب .
    هذه هي الزقاق القديمة التي لا توضع فيها الخمر الجديدة .
    هذه هي الثعالب التي تفسد الكروم .
    هذه هي الأقمطة التي كان لعازر مربوطاً بِها .
    هذه هي الشياطين التي أطلقها المسيح إلى قطيع الخنازير .
    هذه هي الإنسان العتيق ؛ الذي يطلب منا الرسول أن نخلعه ؛ الذي عنه يقول : " إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت اللـه " ؛ وأيضاً 
" إن كنتم تعيشون حسب الجسد فستموتون " .
    هذه هي الجراحات التي جرَّح بِها اللصوص ذلك الإنسان النازل من أورشليم إلى أريحا .
    هذه هي الشوك والحسك الذي أنبتته الأرض لآدم ؛ لما طُرد خارج الفردوس .
    هذه هي ذبيحة قايين التي لم يقبلها اللـه لأنه أراد أن يخلط الأمور المخالفة للطبيعة بتلك الطبيعة ؛ ولما رفضها اللـه قتل أخاه هابيل .
    هذا هو الميراث الذي أحبه عيسو حتى أضاع حق بكوريته من أجل طعام بسيط .
    هذا هو المصري الذي قتله موسى فصار عدواً لفرعون وهرب إلى أرض مديان حيث نال الحرية من اللـه ؛ ولما عاد وقف أمام فرعون حتى خلص إخوته .
    هذا هو ضمير المصريين الذي قال عنه اللـه لموسى :    " لا تأخذوا معكم من خمير أرض المصريين " .
    " سبعة أيام تأكلون فطيراً واليوم الثامن يكون عيد للرب إلهكم " ؛ لكي تصير النفس حرة من الأوجاع السبعة وتُعيّد الرب الإله وتنعتق من الشر العتيق ؛ وتقتني ألفة مع اللـه .
    هؤلاء هم الأنبياء الكذبة الذين قاوموا إيليا النبي ؛ الذين ما لم يكن قد أبادهم ما أمطرت السماء على الأرض .
    هذه هي الأسود التي تستولى على الخراف الضالة .
    هذه هي الإشراك التي قال عنها إشعياء النبي : " انتظرت أن تصنع عنباً فصنعت شوكاً " .
    هذه هي الكرمة التي بكى من أجلها إرميا النبي قائلاً : " كيف تحولت الكرمة الأصلية إلى كرمة مرة " .
حمل المسيح خفيف :
    لكن حمل المسيح خفيف الذي هو : الطهارة؛ عدم الغضب ؛ الصلاح؛ الوداعة ؛ فرح الروح ؛ ضبط الأهواء ؛ المحبة للجميع ؛ الإفراز ؛ القداسة ؛ الإيمان الثابت ؛ الصبر في المحن والتجارب ؛ أن يعتبر الإنسان نفسه غريباً عن العالم ؛ شهوة الخروج من الجسد وملاقاة المسيح .
    هذه هي الأحمال الخفيفة التي أوصانا الرب أن نحملها .
    هذا هو الطريق الذي من أجله أحتمل القديسون أتعاباً كثيرة قبل أن يبلغوه ؛ الذي لا يستطيع إنسان أن يقتنيه ما لم يخلع أولاً الإنسان العتيق ؛ ويتحرر ويقتني المحبة ؛ والمحبة تجعله بلا هم من جهة الكل .
    ثم أن محبة لا يمكن أن تسكن فينا ما دمنا نحب شيئاً من أمور هذا العالم؛ كما هو مكتوب :
    " لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة الشيطان " .
    وقد قال إشعياء النبي أيضاً : " من يعرفنا بالنار الآكلة ؟ من يُعلِمنا بموضع الأبدية ؛ أليس هو السالك بالحق والمتكلم بالاستقامة الراذل الإثم والظلم ؛ النافض يديه من قبض الرشوة؛ الذي يسد أذنيه عن سماع الدماء؛ ويغمض عينيه عن النظر إلى الشر ؛ هذا في الأعالي يسكن ؛ حصون الصخور ملجأه ؛ يُعطي خبزه ومياهه مأمونة " .

التعب اللازم لاقتناء عناية اللـه :
   تأمل في الكرامة التي يهبها اللـه للذين يجاهدون في هذا الزمان القليل وقد طرحوا عنهم ثقل العالم باحتمالهم الضوائق .
    أترى كيف تأتي معونة اللـه لمساعدة الذين يقطعون مشيئتهم ؛ وطرحوا عنهم جميع الأوجاع لأنَهم اتبعوا مشيئة اللـه .
    وبالعكس فالذين يتمسكون بمشيئتهم ويسعون لتكميلها مبتدئين بالفكر فلكونَهم لا يستطيعون مقاومة أعدائهم بسبب سعيهم لتكميل مشيئتهم ؛ ينتهون إلى تكميلها بالجسد ؛ ويتعبون باطلاً وبلا هدف ؛ لأجل هذا يوبخهم إرميا النبي قائلاً : " ملعون من يعمل أعمال الرب برخاوة " .
    ها أنت ترى كيف أن اللـه لا يمنح معونته للذين يريدون أن يخدموا اللـه ويتعبدوا للأوجاع بآن واحد ؛ فإنه يتركهم لشهواتِهم ويسلمهم لأدي أعدائهم .
    وعوض الكرامة التي يتطلعون إليها من الناس يلحقهم الخزي لكونِهم لم يقاوموا أعدائهم إلى أن يدركهم اللـه بمعونته ويذل أعدائهم .
    فبحسب جميع الأسفار المقدسة ؛ لا يستطيع الإنسان أن ينال الاستجابة من اللـه بغير العمل والتعب والحزن .
    كما قيل في الإنجيل : " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يارب يارب أليس باسمك تنبأنا وصنعنا قوات كثيرة " . فحينئذٍ يقول لهم : " أني لم أعرفكم قط " . ذلك لأنَهم يباشرون عمل النسك لكنهم لا يحفظونه .
    فنحن نحفظ السكون في القلاية ؛ لكن إنساننا الداخلي يدور ويجول في النجاسات . نؤدي صلواتنا والطياشة تسرقها منا ؛ نصنع أصواماً وبالنميمة نُهلكها .
    نعطي خبزاً للجائع ؛ والبغضة والازدراء بأخينا يخطفانه منا ؛ نُهذِ في أقوال اللـه والأحاديث الباطلة تسرقها منا ؛ نعدَّ المائدة أمام أخينا من أجل اللـه ؛ لكن الغيرة والطمع تجعلنا نضيع المكافئة .
    كل هذا يحصل لنا لأننا لا نثبت في مشيئة اللـه؛ ولهذا نجده يقول لهم: " إني لا أعرفكم " ؛ لأنَهم لم يجاهدوا بمعرفة بل كانوا يضاربون الهواء ؛ ولما لم يرَ الأكاليل على رؤوسهم قال لهم : " إني لا أعرفكم " ؛ لأنكم لا تحملون علامتي ؛ " اذهبوا عني " .
    فلنعمل إذاً يا إخوتي قدر استطاعتنا على أن نكمل جهادنا ونصلي إلى اللـه لكي يرسل لنا مخافته لتحفظنا وتحرس جميع أتعابنا ؛ لئلا نوجد وقت خروجنا من الجسد خالين من الفضائل ؛ فنقع تحت سلطان الوحش ؛ لأن العدو مملوء حقاً من كل خبث ؛ وهو حقود وقاس ؛ منظره بغيض ؛ عديم الرحمة في شره ؛ يلقي يده على الذين يحبون العالم .
    تأملوا الآن القديسون جميعاً ؛ لقد تركوا العالم وراءهم وخرجوا هكذا ليصنعوا حرباً مع العدو ؛ فلما أذله الرب أمامهم فرَّ هارباً منهم كجبان .
    فحين خرج دانيال ليحارب معه لم يجد فيه شيء مما يخصه ؛ لقد اشتمته الأسود فلم تجد فيه رائحة ذلك الذي أكل عاصياً .
    كذلك فإن أيوب احتمل الجهاد بعد أن تحرر أولاً من أمور العالم ؛ وبرهن أن ذاك الذي يفتخر قائلاً : " جُلت فيما تحت السماء هاأنذا " ؛ ما هو إلا جبان ؛ فطرحه أمامه ذليلاً مثل عصفور بيد طفل صغير .

ختام :

    فلنسأل صلاح اللـه باهتمام قلبي وبالدموع والتعب ؛ ولنخضع لكل إنسان من أجل الرب ؛ ونواضع أنفسنا أمام إخوتنا معتبرين أنَهم أكثر منا صفاء ؛ ولا نكن مجازين أحداً عن شر بشر ؛ ولا نظن السوء في قلوبنا بإنسان ؛ بل ليكن لنا جميعاً قلب واحد .
    لا نقولن عن شيء ما من خيرات العالم المادية : " هذا يخصني " ؛ بل نقيس كل يوم مدى نمو نفوسنا ونحرسها من الأفكار النجسة رافضين شبع الجسد لكي نمنعه عن إشباع شهواته فيخضع لسلطان النفس ؛ وتخضع النفس بدورها للروح وتصير عروساً نقية من كل عيب تنادي عريسها هكذا : " لينزل أخي إلى جنته ويأكل من ثمر أشجاره " .
    فلنجاهد إذاً يا إخوتي لكي إذ تكون لنا مثل ذلك الثقة أمامه ؛ نسمعه يقول : " أيها الآب ؛ أريد أن هؤلاء يكونون معي حيث أكون لأني أحببتهم كما أحببتني ؛ أنت فيَّ وأنا فيهم " .
    الثالوث المقدس المساوي الذي بلا بداية ؛ قادر أن يصنع معنا رحمة حتى نحظى بالراحة مع قديسيه يوم الدينونة ؛ لأن له المجد والقوة إلى دهر الدهور . آمين
من ميامر مار إشعياء الأسقيطى

شارك هذه المقالة مع أصدقائك :
 

المتابعون