حضور الروح القدس علامة على موت الأوجاع :
إنني أود أنا أيضاً أن أقول مع إشعياء : " إنني أصبر حتى أيبسها وأهلكها " . { أش 42 : 14 } .
فالبعض قد يتكلمون عن أعمال الملكوت ولكن دون أن يكملوها ؛ وآخرون يكملون أعمال الملكوت ؛ لكنهم يتكلمون بغير انتباه أو معرفة ؛ أما الذين يكمل فيهم قول المخلص " ملكوت السماوات داخلكم " ؛ فهم قلة نادرة ؛ ويصعب أن نجدهم .
هؤلاء يحل عليهم روح اللـه القدوس ؛ وفيهم يكمل قول يوحنا الإنجيلي: " أما المؤمنون باسمه ؛ فأعطاهم السلطان أن يصيروا أولاد اللـه؛ الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل ؛ بل من اللـه " { يو 1 : 12 ـ 13 } .
فرح أولئك الذين يحملون المسيح على مثال العذراء مريم ؛ هؤلاء الذين أعتقوا من مرارة القضاء الذي حلَّ بآدم : " الأرض تصير ملعونة بسبب أعمالك " { تك 3 : 17 } .
هؤلاء هم الذين أقتبلوا الفرح الذي قبلته مريم : " روح اللـه تحل عليكِ ؛ وقوة العلي تظللكِ " { لو 1 : 35 } .
فكما أن الحزن قد حلَّ بحواء ونسلها حتى الآن ؛ كذلك حلَّ الفرح على مريم ونسلها إلى الآن ؛ ولهذا كما كنا أولاً أبناء لحواء وعرفنا لعنتها التي حلت علينا بسبب أفكارنا الدنيئة ؛ هكذا أيضاً ينبغي أن نعرف أننا قد ولدنا من اللـه بأفكار الروح القدس وآلام المسيح ؛ إن كانت قائمة حقاً في أجسادنا ؛ لأنه مكتوب في الرسائل : " امتحنوا أنفسكم لتعرفوا إن كان المسيح فيكم ؛ إن لم تكونوا مرفوضين . { 2كو 13 : 5 } .
لأننا حينما كنا نحمل صورة الترابي { 1كو 15 : 49 } كنا نعرف أننا أبناء الترابي ؛ بسبب الأمور الدنيئة التي تشغل أفكاره التي تسكن فينا أي الأوجاع .
أما الذين يحملون صورة السمائي فيعرفون أنَهم أبناء السمائي بسبب روحه القدوس الذي يسكن فيهم .
فإشعياء النبي يصرخ قائلاً : " بمخافتك يارب تصورنا ؛ ولدنا ؛ أفضنا روح خلاصك على الأرض " . وجاء أيضاً في الجامعة : " مثل العظام في بطن الحبلى هكذا طريق الروح " .
لأنه كما أن العذراء القديسة حملته في الجسد ؛ هكذا أولئك الذين أقتبلوا نعمة الروح القدس يحملون في قلوبِهم كقول الرسول :
" ليحل المسيح بالإيمان في الإنسان الباطن ؛ في قلوبكم ؛ وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا جميع القديسين ".
وأيضاً : " لنا هذا الكنز في أوان خزفية ؛ ليكون فضل القوة للـه لا منا " .
النفس المخطوبة للرب :
كذلك إذا أدركت من يقول : " نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد " ؛ وتحقق فيه قول الرسول القائل : " ليملك في قلوبكم سلام اللـه " .
وأن الذي هو فيك هو المسيح يسوع؛ وإذا كنت قد بلغت هذا القول: " من ظلمة أشرق في قلوبكم نور معرفة اللـه " .
وكمل فيك قوله : " لتكن أحقائكم ممنطقة وسرجكم موقدة ؛ وأنتم مثل عبيد ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس " ؛ " كي لا يستد فمك بغير عذر وسط القديسين ؛ وعرفت كالعذارى الحكيمات أنه يوجد زيت في وعاءك به تدخل إلى العرس ولا تقف خارجاً " .
إذا أحسست أن روحك ونفسك وجسدك قد أتحدو بلا انفصال وسيقدمون بغير دنس في يوم ربنا يسوع المسيح ؛ وكنت لا تُلام به ؛ أو تُدان من ضميرك ؛ وقد صرت طفلاً صغيراً كقول الرب : " دعوا الأولاد يأتون إليَّ ؛ لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات " { مت 19 : 14 } .
حينذاك تكون نفسك قد صارت له عروساً مخطوبة ؛ وقد جعلك روحه القدوس وارثاً وأنت بعد في الجسد ؛ أما إذا لم يكن الأمر هكذا ؛ فأعدد نفسك للحزن والأنين ؛ لأن الخزي والعار يستقدمانك في حضرة القديسين .
الحث على الجهاد :
فأعلم أنه كما أن العروس المخطوبة حين تنهض كل يوم ؛ ليس لها شغل آخر سوى أن تتزين لعريسها ؛ فتتطلع كل حين في مرآتِها لئلا يصدف أن يكون في سيمائها أية شائبة فتُحزن بذلك عريسها .
كذلك فإن اهتمام القديسين الأعظم هو أن يفحصوا أفكارهم ليلاً ونَهاراً ؛ ليتأكدوا إن كانت خاضعة لنير الروح القدس أم لا .
جاهد إذاً يا أخي باهتمام في أتعاب القلب والجسد ؛ بمعرفة واعية ؛ لكي تقتني هذا الفرح الأبدي ؛ لأن قليلين هم الذين يستأهلون له ؛ أولئك الذين اقتنوا سيف الروح { أف 6 : 17 } ؛ وطهروا أنفسهم وحواسهم من كل دنس كقول الرسول { 2كو 7 : 1 } .
فليت اسمه القدوس يكون لضعفنا عوناً ؛ حتى نستحق أن نبلغ مع قديسيه . آمين
.

